عمره 46 عامًا، لكنه يصنف وسط أخطر الإرهابيين في العالم، بعد مسيرة حافلة من الدم والعمليات المسلحة وتأسيس الكيانات الخطرة والرحلات المكوكية لتجنيد الشباب في صفوف تنظيم “داعش”، والتنسيق بين الميليشيات المسلحة.. إنه المهدي الحاراتي.
عندما ظهر الحاراتي إلى الأضواء بعد اختفاء دام لسنوات طويلة، كانت تركيا قد برزت في الوقت نفسه، كـ”عاصمة للإرهاب في العالم”، فيها يلتقي قادة العنف، يجدون الدعم اللوجيستي والمعلوماتي والرعاية، بالإضافة إلى التمويل بالطبع.
– من هو المهدي الحاراتي؟
المهدي الحاراتي ولد في ليبيا العام 1973، ثم هاجر إلى أيرلندا وحصل على جنسيتها، تزوج فيها، وعاش فيها 20 عاما.
في مارس 2004، كان الحاراتي أحد المشاركين في مجزرة العاصمة الإسبانية مدريد، والتي كانت عبارة عن سلسلة من التفجيرات الإرهابية المتناسقة، استهدفت شبكة قطارات نقل الركاب، مخلفة وراءها 191 قتيلا، و1755 مصابًا.
الحاراتي يمتلك سجلا ضخما في إرهاب الدول، فالرجل المعروف بقتاله ضمن صفوف الميليشيات المسلحة في كوسوفو والعراق، تعاون مع الاستخبارات التركية لنقل مقاتلي داعش من سورية وإليها، فضلا عن دوره كهمزة وصل بين أنقرة والميليشيات الإخوانية في ليبيا، في إطار مخطط تركيا بتحويل طرابلس العاصمة إلى باحة خلفية تمكنها من السيطرة على موارد ليبيا النفطية.
أخلص الحاراتي للفكر الجهادي والقتل على الهوية، لذا لم يكن غريبا أن تكتشف السلطات الإسبانية أنه أحد المتورطين في هجمات مدريد مارس 2004، لتطالب بتسليمه، بحسب موقع “جزيتي دوفور” التركي. الأمر الذي دفع الحاراتي للاختفاء عن الأنظار لنحو ستة أعوام.
مرمرة.. نقطة التحول
على متن سفينة المساعدات الإنسانية التركية المتجهة إلى قطاع غزة “مافي مرمرة” في عام 2010، ظهر الحاراتي فجأة، وكان من بين المتطوعين والنشطاء الذين تعرضوا للإصابة بسبب الهجوم الإسرائيلي على سفن المساعدات في عرض البحر، وتعرض للسجن داخل المعتقلات الإسرائيلية إلى أن تم الإفراج عنه مع غيره من النشطاء.
في تلك الأثناء كان رئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت رجب إردوغان يصول ويجول مهددًا بما ستفعله تركيا من عظائم الأمور انتقاما من إسرائيل، فما كان منه إلا أنه أجرى زيارة للمصابين في الحادث الذين نقلوا إلى المستشفيات التركية، وهنا ظهر المهدي الحاراتي مرة أخرى في الصورة الشهيرة التي يقبِّل فيها رأس إردوغان.
– حياة جديدة
حياة الحاراتي اختلفت بعدما نال ثقة إردوغان، بدأت علامات الثراء السريع تظهر عليه وعلى أسرته، الأمر الذي انكشف في يوليو 2011، عندما تعرض منزل الحاراتي في مقاطعة راثكيلي بأيرلندا للسرقة، وقامت زوجته فطيمة النجار بإبلاغ قوات الأمن بسرقة مجوهرات بقيمة 200 ألف يورو، المبلغ الضخم أجبر الأمن الأيرلندي على البحث في مصدر هذه الأموال التي لا يمكن تبريرها بدخل الحاراتي المتواضع.
الحاراتي أقر أمام السلطات الأيرلندية بأنه التقى بمسؤولين قطريين وفرنسيين وأمريكان وحصل على هذه الأموال من أجل الإطاحة بمعمر القذافي، على حد قوله.
الأمر الذي أكدته الحكومة الأيرلندية في 2012 بأن المهدي الحاراتي، الذي يحمل الجنسية الأيرلندية أيضاً، هو عميل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية مكلف بنقل المساعدات المالية السرية من “الوكالة” إلى عناصر الحركات الإسلامية في ليبيا خلال حرب 2011.
علاقة الحاراتي بالاستخبارات الأمريكية انقطعت بعد أن أتمّ مهمته، ونقل ولاءه الكامل لأنقرة، يأتمر بأمرها ويعمل تحت مظلتها، وذهب إلى ليبيا بين يوليو وأغسطس 2011، لقيادة تنظيم كتائب ثوار طرابلس المتعاون مع تنظيم القاعدة، المدعوم سياسيًا وعسكريًا من قبل الحكومة التركية.
شبكة فولتير الفرنسية نقلت عن مصدر عسكري أجنبي رفيع المستوى، أن الحاراتي تمّ تكليفه بمهمة تقضي بأسر قادة نظام القذافي المتواجدين في جناح سري بفندق “ريكسوس” التركي الموجود في ليبيا، وفي مقدمتهم خميس القذافي، وهنا سرَّبت شركة المقاولات التركية التي تولت مسؤولية إنشاء وتشييد الفندق مخططًا للأنفاق التي كان يستخدمها خميس القذافي تحت الأرض للدخول والخروج من الفندق.
تكليفات أنقرة
في ليبيا، أسس الحاراتي كتيبة مسلحة أطلق عليها اسم “ثوار طرابلس”، وبعد الإطاحة بنظام القذافي أصبح نائبا لقائد المجلس العسكري بطرابلس، الذي كان يقوده الإرهابي عبد الحكيم بلحاج، رجل تركيا الأول في ليبيا، والمسؤول عن نشر الفوضى في المدن.
في كتابه “واقع الإرهاب في أوروبا الأسباب والمعالجات”، كتب جاسم محمد، الخبير في شؤون الإرهاب والأمن الأوروبي، أن أنقرة أوكلت إلى بلحاج، أمير تنظيم الجماعة الإسلامية الليبية، بالتنسيق مع بعض الشخصيات العسكرية التركية في السودان، مهمة تأمين انتقال الأسلحة التركية إلى العناصر الإرهابية في طرابلس، فضلًا عن تأمين دخول ألفي إرهابي تونسي إلى ليبيا، للانضمام إلى الميليشيات المسلحة التي تقاتل الجيش الوطني الليبي.
سجل الحاراتي الإرهابي لم يقتصر على أوروبا، فالأوامر التركية منذ البداية طالبته بالتركيز على ملف دعم أنشطة تنظيم القاعدة في المنطقة العربية. وفي نوفمبر 2011، ترأس مجموعة من المقاتلين مكونة من حوالي 1550 جهاديا تابعين لتنظيم القاعدة، نُقلوا إلى تركيا تحت زعم أنهم لاجئون هاربون من الحرب الأهلية في ليبيا.
وفي تركيا نقلت المجموعات الجهادية إلى سورية عن طريق حافلات تابعة لجهاز الاستخبارات التركي، التي دأبت على إقامة معسكرات للإرهابيين قرب الحدود التركية السورية، لتدريبهم ثم نقلهم في سرية تامة إلى داخل سورية للانضمام إلى صفوف جبهة النصرة التي انشقت عن تنظيم القاعدة.
على صفحات الجرائد
عضو مجلس النواب الليبي فرج الشلوي، قال في تصريحات له إنه “عند بداية ما يسمى ثورة سورية تم تجنيد مقاتلين من ليبيا وتونس ومصر للقتال في سورية، وكان الليبيون جزءا كبيرا منهم تحت قيادة مهدي الحاراتي”.
الشلوي تابع بأن “سهلت تركيا دخول الإرهابيين إلى سورية، ومنها إلى ليبيا، كما ترسل لهم والميليشيات الليبية السلاح”، ولفت إلى أن تركيا تحلم باستعادة “الدولة العثمانية السابقة في المنطقة”، مشدداً على أن إرسال تركيا للإرهابيين والسلاح للميليشيات من طرابلس إلى سورية يعكس أن الوضع الميداني ليس في صالح الميليشيات التركية.
الحاراتي والمقاتلون التابعون له تركزوا في منطقة جبل الزاوية، للمشاركة في دعم الجيش السوري الحر، ومكث الحاراتي في تلك المنطقة لمدة شهرين، استقبل خلالها عددا من مراسلي الصحف الأجنبية. بعد ذلك اتخذ من ريف إدلب مقرًا له ولمجموعته المسلحة التي دخلت شمال سورية من الحدود التركية.
العودة إلى ليبيا
مطلع العام 2012، أسس الحاراتي جماعة جهادية جديدة حملت اسم “لواء الأمة” في سورية، ضمت مقاتلين ليبيين وسوريين وعربا، وتمركزت في ريفي إدلب وحلب لقربهما من الحدود السورية التركية، وبعض المدن في حمص، ومناطق في ريف دمشق.
موقع شبكة فولتير نقل عن تقارير استخباراتية روسية أن الحاراتي التقى برئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان، وبعد أن انتهت مهمته على ما يبدو في سورية، غادر إلى ليبيا، بزعم تدهور حالته الصحية في سبتمبر 2012.
في أغسطس 2014، تم انتخاب الحاراتي رئيسًا لبلدية طرابلس، بدعم من تركيا والسودان، وبدأ العمل تحت مظلة حكومة طرابلس المسيطر عليها من قبل جماعة الإخوان، تحول الحاراتي بعدها بشكل علني إلى أحد أبرز رجال إردوغان في طرابلس.
وفي عام 2017 وضع اسم المهدي الحاراتي في قائمة الإرهاب المشتركة التي صدرت عن مصر والسعودية والإمارات والبحرين، والتي ضمت 59 فرداً، و12 كياناً إرهابيا، منهم عبد الحكيم بلحاج والعديد من عناصر جماعة الإخوان الإرهابية وممولي الميليشيات المتطرفة. ويقاتل الحاراتي حاليا في صفوف ميليشيات الإخوان لصد هجوم قوات الجيش الوطني الليبي لتحرير طرابلس من سيطرة الإرهاب.