طرابلس – 23 يونيو 2022م (وام)
أقام المجلس الرئاسي اليوم الخميس بالعاصمة طرابلس مراسم تدشين الرؤية الإستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية خلال مؤتمر صحفي عُقد بمشاركة قيادات سياسية واجتماعية وعسكرية.
وتحتوي الرؤية على عدة محاور رئيسية، تمثلت في أسانيد المقترح وجذور الصراع والرؤية والأهداف، وتتفرع منها عديد النقاط والمبادئ المرتكز عليها مشروع المصالحة الوطنية.
وتتضمن الرؤية الإستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية ما يلي:-
لعلّ ليبيا اليوم أحوج ما تكون إلى مصالحة وطنية تسهم في بناء دولة تنعم بالأمن والاستقرار، وينعم أهلها بعيش كريم، وتقوم فيها العلاقات بين المواطنين، وبينهم وبين مؤسسات الدولة، على أساس من الثقة والاحترام، وتشهد التجارب الدولية على أن نجاح مساعي المصالحة الوطنية يتوقف على حسم خلافات حول قضايا مفصلية تشكّل في مجموعها حزمة أزمات: أزمة هوية، وأزمة شرعية، وأزمة تغلغل، وأزمة توزيع، وأزمة مشاركة؛ فيما تبيّن الدراسات التي أجراها القائمون على “مقترح المصالحة الوطنية” أن ليبيا تواجه جميع هذه الأزمات دفعة واحدة وبشكل متزامن.
ولا ريب في أن هناك عوائق وتحديات كثيرة تواجه المصالحة الوطنية، كالأوضاع الأمنية، والثقافة الريعية، وثقافة المحاصصة، وسطوة القبيلة، وحداثة التجربة الديمقراطية، وضعف أداء المؤسسات الانتقالية، وضعف المجتمع المدني، والتطرف الديني الذي يتوسّل العنف، والبيئة القانونية غير السوية، والتدخل الخارجي، ونفوذ المستفيدين من الأوضاع الراهنة، وتأثير الولاءات دون الوطنية والعابرة للوطن. غير أن هناك فرصا يسهم اغتنامها في تحقيق المصالحة الوطنية، كالإرث التاريخي، والدعم المجتمعي، والتجانس الاجتماعي، والوعي بالحاجة إلى دستور توافقي.
أولا: أسانيد المقترح:
يتأسس المقترح على بحث نظري في التشريعات، وبحث ميداني يرصد حركتها في المجتمع، ويقيس مدى نجاحها في اجتثاث جذور الصراع من خلال دراسات كمية، واستشارات شفوية وتحريرية أدلى بها خبراء مختصون، ولقاءات ميدانية مع عينات من مختلف شرائح المجتمع الليبي. فقد استكتب مقدمو المقترح نخبة من أفضل الخبراء المحليين في مجالات عديدة بغرض إعداد أوراق تخصصية في قضايا تشكّل استقطابات أدّت، أو تنذر بأن تؤدّي، إلى حدوث صراعات أو احترابات، ولأن توافق الخبراء أفضل سبل التقليل من أثر الانحيازات التي قد تتنازعهم، اقتصر المقترح على الأخذ بالآراء والتوصيات التي توافق عليها الخبراء في القضايا موضع استشاراتهم.
وفي أوقات الصراع، تطرأ الحاجة أيضا إلى سند مجتمعي قوي بما يكفل تبنّي الجهات المختصة ما يتوافق عليه الخبراء من آراء وما يقترحون من توصيات، خصوصا في المسائل التي يكون فيها رجل الشارع صاحب قرار أو تأثير، كالمسائل الدستورية والمصالحة الوطنية.
ولأن الآلية الأنسب للحصول على سند مجتمعي هي الكشف عن ميول وتفضيلات أفرد المجتمع من خلال إجراء مسوح واستطلاعات على مستوى البلاد؛ ولأنه يصعب تطبيق مثل هذه الأساليب البحثية في أوقات الصراع؛ لجأ مقدمو المقترح إلى استطلاعات ومسوح سابقة، كما عقدوا لقاءات معمقة مع رؤساء، وأعضاء بارزين في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومع متصدري المشهد السياسي والاجتماعي، كما عقدوا لقاءات (في شكل جماعات تركيز) مع أشخاص فاعلين روعي في اختيارهم تمثيل ألوان الطيف الليبي.
ثانيا: جذور الصراع
هناك من يختزل المصالحة الوطنية في العدالة الانتقالية، ويختزل العدالة الانتقالية في جبر الضرر، ويختزل جبر الضرر في التعويضات النقدية. وهناك من يختزل المصالحة الوطنية في المصالحة الاجتماعية، أو التوافق السياسي، أو تقاسم الثروة، أو استتباب الأمن، غير أن المقترح قد رصد باستخدام أساليب البحث سالفة الذكر، 33 قضية تشكل كل منها مصدرا للفرقة والنزاع، وصنّفها تحت 5 شواغل، كما رصد المواقف المتخذة من كل قضية، والتشريعات التي صدرت بخصوصها، ورؤية عينة معتبرة من أصحاب الشأن للدور الذي قامت هذه التشريعات في تعزيز أو عرقلة مساعي المصالحة الوطنية.
وعلى الرغم من وجود تفاوت في الوزن النسبي من حيث الأهمية بين هذه القضايا، فإن لكل منها دوره المهم في إثارة الصراع، ويلزم أن يحظى أكثر أهمية بالأولوية في الحسم.
وفيما يلي بيان بالقضايا التي خلص مقدمو المقترح إلى أن المصالحة الوطنية لا تتحقق كاملة، ولا تستدام، إلا بحسمها:
شاغل الهوية الوطنية
1 دور الشريعة في التشريع (مصدر رئيس، المصدر الرئيس، المصدر الوحيد)
2 مكانة مذاهب أهل البلد.
3 لغات المكونات الثقافية (ترسيم، رعاية،..)
4 التمييز ضد المكونات الثقافية
5 العزل السياسي
6 الدولة (العلم، النشيد)
شاغل الحكم الوطني
7 نظام الحكم (فيدرالي/مركزي)
8 نظام الحكم (ملكي/جمهوري)
9 نظام الحكم (برلماني/رئاسي)
10 العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية
11 استقلالية القضاء
12 ملاءمة النظام الديمقراطي
13 دور الأحزاب السياسية
14 مشاركة الأحزاب والتيارات الإسلامية
15 سياسات التمكين (الشباب، المرأة، الطفل، ذوي الجدارة الاجتماعية، …)
16 الفساد المالي والإداري والسياسي والمعرفي
17 توزيع إيرادات الموارد
شاغل اللامركزية
18 عدد مستويات الحكم دون-الوطني
19 تكوين مجالس المستويات دون-الوطنية
20 صلاحيات وحدات المستويات دون-الوطنية
شاغل العدالة الانتقالية
21 شرعية مفهوم العدالة الانتقالية (العدالة العادية، العدالة التصالحية، …)
22 مكنة التطبيق (لا عدالة انتقالية دون استقرار، لا استقرار دون عدالة انتقالية، كلاهما يعزز الآخر، …)
23 الإطار الزمني والموضوعي للانتهاكات
24 كشف الحقيقة
25 العفو عن الجناة
26 جبر الضرر (ضرورته، طبيعته، قدرة الدولة عليه، …)
27 الإصلاح المؤسسي (القضاء، المؤسسات الأمنية، الإعلام، …)
28 الخصوصية الثقافية
29 الموقف من تشريعات العدالة الانتقالية القائمة
30 حصرية اختصاص القضاء الوطني
شاغل الأمن الوطني
31 التعامل مع المؤسسات الأمنية السابقة
32 التعامل مع التشكيلات المسلحة
33 العلاقة بين السلطة المدنية والسلطة العسكرية.
ثالثا: الرؤية والأهداف
المصالحة الوطنية مشروع يستجيب لصراعات دامية نجمت عنها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وشروخ عميقة في النسيج الاجتماعي، وأزمات في علاقات المجتمع مع الدولة وسلطاتها. وهي مشروع شامل لإقامة علاقات متعددة الأبعاد والمستويات، فهي ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، ومتعددة المستويات، فهي مصالحة ذاتية بين الضحية وماضيها، ومصالحة بين أفراد، ضحايا وجناة، ومصالحة اجتماعية-سياسية بين جماعات متنازعة، ومصالحة مؤسسية بين أجهزة الدولة.
والمصالحة وطنية بمعنى أنها تنجز على مستوى وطن بأسره، وتفترض دوراً علويا تقوم به الدولة، ويتبنّى المقترح مقاربة اجتماعية- قانونية تقوّم الاستجابات التشريعية لما يعصف بالبلاد من أزمات، ويخلص إلى اقتراح تشريعات وتدابير وآليات تضاعف من حظوظ تحقيق مصالحة وطنية شاملة ومستدامة، وقد تبنى المقترح مقاربة قانونية بسبب أثر القوانين طويل الأجل، ومكنه من سنّ قوانين تعالج ما يحدث في المجتمع من نزاعات أيا كانت طبيعتها، ما يجعلها الأنسب لحسم الخلافات متعددة الأبعاد والمستويات التي تحول دون المصالحة الوطنية.
ولأن القوانين وحدها لا تكفي حين تكون الدولة عاجزة عن إنفاذها، يوصي المقترح باتخاذ تدابير وإجراءات خارج دائرة القانون، ويعوّل على جهود مجتمعية مصاحبة. وحتى في حال وجود سلطة قادرة على إنفاذ القوانين، فإنها تظل دائما عرضة للالتفاف والتحايل، ما يجعل المصالحة الوطنية ترتهن أيضا لوعي أفراد المجتمع بالحاجة إليها، ولأن يكون وازعها الأساسي نابعا من أنفسهم عوضا عن أن يكون استجابة لضغوطات تطبّق عليهم مكرهين، ولأسباب كهذه يؤكد المقترح دور ثقافة المصالحة، والوعي القيمي، والحس الوطني، والعرف والدين والإعلام في تعزيز كل منها.
ويتأسس مقترح المصالحة الوطنية على خمسة مبادئ حاكمة:
• الشمولية والاستدامة: استهداف معالجة جذور الصراع، وإعمال الآليات الكفيلة باجتثاثها.
• سيادة القانون: تطبيق التشريعات الصادرة على قدم المساواة على الجميع، أفرادا ومؤسسات وكيانات، وحصول كل منها على ما يستحق بالاحتكام إلى قضاء مستقل؛ فلا أحكام تعسفية، ولا ظلم يطال أبرياء، ولا استيفاء لحق بذات؛ وإن جاز ضمن إطار عدل-انتقالي إعمال تدابير وسنّ تشريعات تصالحية تخفّف من عقوبات أو تعفو عن انتهاكات سابقة.
• المواطنة المتساوية: المساواة في الحقوق والواجبات والحريات المدنية والسياسية بين أبناء الوطن كافة، دون تمييز مؤسّس على عرق، أو قبيلة، أو منطقة، أو نوع اجتماعي، أو معتقد مذهبي؛ وإن جاز إعمال تدابير وآليات تمييز-إيجابي تردّ مظالم، أو تجبر أضرارا، أو تعوّض إجحافات، إذا كان في اتخاذها أو سنّها تعزيز لمساعي المصالحة الوطنية.
• الصالح العام: إيلاء أولوية للصالح العام على أي صوالح خاصة.
• المراكمة والإدماج: مراكمة ما انتهت إليه التدابير التصالحية السابقة، وإدماج المشاريع التصالحية الجادة في تصوّر موحَّد.
ويمكن إيجاز رؤية المقترح للمصالحة الوطنية في كونها:
مصالحة جامعة، شاملة، جذرية، توافقية، قانونية-اجتماعية، عدل-انتقالية، شرعية، تمكينية، تأسيسية تؤمّن بيئة مجتمعية مستقرة ينعم أفرادها بعيش آمن دون تمييز أو إقصاء.
وفيما يلي توضيح للمفاهيم الرئيسة في هذه الرؤية:
• جامعة: تشمل الوطن بأسره.
• شاملة: تتصدى لجميع الشواغل: الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
• جذرية: تعالج أصول الصراع بما يضمن استدامتها.
• توافقية: قائمة على ثقة متبادلة وقيم مشتركة، ترضى بها جميع أطراف الصراع دون أن ترضى بالضرورة عنها.
• قانونية-اجتماعية: تتكامل فيها التشريعات مع الجهود الاجتماعية المساندة.
• عدل-انتقالية: مؤسسة على قانون عدالة انتقالية يحظى بالشرعية والمشروعية.
• شرعية: قائمة على سند مجتمعي بما يُشعر الجميع بملكيتها.
• تمكينية: تستجيب لمطالب المرأة والشباب وذوي الإعاقة والشرائح ذات الجدارة الاجتماعية.
• تأسيسية: قائمة على ميثاق وطني يحظى بتوافق مجتمعي.
والمصالحة الوطنية تُنجز مكتملة حين تتحقق الأهداف التالية:
• هوية وطنية جامعة، تحترم التنوع.
• نظام حكم ديمقراطي يضمن التوازن بين السلطات، واستقلالية القضاء، ويعمل مبادئ الحوكمة الرشيدة، ويؤسّس على عقد اجتماعي، ويحكمه دستور قائم على مبدأ المواطنة المتساوية.
• نظام لامركزي مدستر تتحدد فيه مؤسسات ووظائف النظام السياسي والإداري واختصاصات السلطات المركزية والمحلية.
• مجتمع يطبّق العدالة الانتقالية من أجل تحقيق سلم مجتمعي.
• أمن وطني يرتكز على مفهوم الأمن الإنساني، وتكون فيه تبعية المؤسستين العسكرية والأمنية للسلطة المدنية.