السبت- 13 مارس 2021م – (وام)
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، مثل عدد هام من مجرمي الحرب النازيين أمام القضاء لنيل جزاء ما اقترفوه طيلة السنوات السابقة. وخلال محاكمات نورمبرغ (Nuremberg) التي استمرت ما بين شهري نوفمبر 1945 وأكتوبر 1946، نال عدد مهم من كبار القادة النازيين أحكاما بالإعدام؛ حيث أرسل كل من الرجل الثاني بالنظام النازي هرمان غورينغ، الذي انتحر قبل ساعات من إعدامه، ووزير الخارجية الألماني يواكيم فون ريبنتروب والمارشال فيلهلم كايتل والجنرال ألفرد جودل والمنظّر النازي ألفرد روزينبرغ؛ نحو حبل المشنقة.
في مقابل ذلك، نجا عدد آخر من المسؤولين النازيين من العدالة. فبينما فرّ بعضهم ليختبئ بجنوب القارة الأمريكية، حافظ مجرمون نازيون آخرون على حياتهم بفضل زادهم العلمي وتجاربهم خلال عهد هتلر، حيث عرض هؤلاء خبرتهم على دول كالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية أملا في تجنّب المحاكمة.
ومن ضمن هؤلاء الذين نجوا من حبل المشنقة، يذكر التاريخ اسم الكيميائي الألماني والتر شيبر (Walter Schieber) الذي عمل بمجال النسيج خلال الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية.
عقب الغزو الألماني لبولندا، التحق والتر شيبر بوزارة التسليح والإنتاج الحربي، وتقلّد مناصب مُهمة مثل رئيس مركز الإمدادات العسكرية، كما انضم أيضا لفرق الأس أس (SS)، ونال رتبة عادلت رتبة الجنرال بالجيش الأمريكي، وفي أثناء فترة عمله لمصلحة وزارة التسليح والإنتاج الحربي، حصل شيبر على ترقيات عديدة وأصبح نائبا للوزير ألبرت شبير (Albert Speer). وبفضل مجهوداته بالوزارة، منح أدولف هتلر شخصيا سنة 1943 وسام صليب الاستحقاق الحربي لوالتر شبير الذي كان في السابعة والأربعين من العمر حينها.
مستغلا اختصاصه بمجال الكيمياء، ومنصبه المرموق بألمانيا، أجرى والتر شيبر تجارب أودت بحياة آلاف البشر بمعسكرات الموت النازية التي كانت تحت سيطرة فرق الأس أس. فبمعسكر ماوتهاوزن (Mauthausen)، أجرى شيبر، رفقة عدد من العلماء الألمان، تجارب حول تأثير الجوع على الإنسان. فعمد لانتقاء 150 معتقلا وقدّم لهم وجبات طعام تكوّنت من عجينة احتوت على فضلات وملابس مستعملة، وخلال الأيام التالية، أسفرت هذه التجربة عن وفاة 116 فردا من المعتقلين الذين اختارهم شيبر.
إضافة لذلك، كان شيبر على علاقة وطيدة بمؤسسة إيه غه فاربن (IG Farben) التي أنتجت الغازات الكيماوية المستخدمة بغرف الغاز بمعسكرات الموت أثناء الهولوكوست.
وبفضل صداقته مع أوتو أمبروز (Otto Ambrose) الذي شغل منصب المسؤول الكيميائي بهذه المؤسسة، ساهم شيبر في إجراء العديد من التجارب حول غازي السارين والتابون، وقد أودت تجاربه التي أجريت على معتقلين بمراكز الموت بحياة الآلاف.
أثناء فترة اعتقاله من قبل الأمريكيين عقب الحرب العالمية الثانية، أصبح والتر شيبر صديقا مقربا من المسؤول العسكري الأميركي المختص في مجال الكيمياء تشارلز لوكس (Charles Loucks) الذي تواجد قرب منطقة هايدلبرغ (Heidelberg).
إلى ذلك، أبدى الكيميائي الأمريكي تشارلز لوكس إعجابه الشديد بأبحاث وتجارب نظيره الألماني شيبر حول غازي السارين والتابون، وقد دفع ذلك هذا المسؤول الأمريكي لمراسلة البنتاغون لانتدابه ونقله للولايات المتحدة الأمريكية ضمن عملية مشبك الورق (Paperclip) التي مكّنت الأمريكيين من الحصول على خبرة العديد من العلماء الألمان.
وتماما كالعديد من العلماء الألمان المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، نجا والتر شيبر من المحاكمة، فنقل للولايات المتحدة الأمريكية حيث عمل مع المؤسسة العسكرية وساهم بشكل محوري خلال العشر سنوات التالية في تقدم برنامج الأسلحة الكيميائية الأمريكي.