شكل الجنوب الليبي محور مطامع للتشكيلات الأجنبية والمجموعات الإرهابية، فحاولت الحضور في شريطه الحدودي. ومن تلك التشكيلات المعارضة التشادية بقيادة محمد حكيمي، التي تنشط للتوسع السكاني والاقتصادي.
وقد استغل عناصر المعارضة التشادية امتدادهم العائلي بقبيلة التبو لتنفذ هجمات متكررة في مرزق الليبية، التي تقع جنوب غربي ليبيا، في محاولة لتهجير السكان الأصليين وإحلال وافدين من تشاد بدلاً منهم، خصوصاً أن المدينة تتوافر على واحد من أهم الأحواض النفطية.
قادت قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر معركة ضد عناصر المعارضة التشادية في يناير (كانون الثاني) الماضي وتمكنت من إبعادها عن الشريط الحدودي بمساعدة القوات الجوية الفرنسية. ومعروف أن فرنسا تدعم رئيس الحكومة التشادية إدريس ديبي، الذي تربطه علاقات جيدة بالمشير حفتر. وقد التقيا في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018 لتعزيز علاقات التعاون في مجال مكافحة العناصر الخارجة عن القانون.
بيئة ملائمة
يقول الخبير الاقتصادي منتصر شعبان إن هجمات مرزق متعمدة، ففلول المعارضة التشادية تحتاج إلى بيئة ملائمة لتنفيذ مخططها ولعل العنصر الأهم هو تمويل عملياتها الإرهابية.
يضيف شعبان “أي معركة تدور على الأراضي الليبية تكمن خلفها مطامع اقتصادية، وفي مدينة مرزق واحد من أهم الأحواض النفطية يقدر فيها الاحتياط القابل للاستخراج بأكثر من 5 مليارات برميل ويضم حقل الشرارة النفطي ضمن خريطته النفطية”.
يتابع “مرزق تتبوأ موقعاً إستراتيجياً، إذا تجمع بين شرق وغرب شمال إفريقيا، وتتوافر على أهم منطقة مائية جوفية وغابات نخيل، جميعها عوامل تساعد على البقاء وتعد مصدراً لتمويل الهجمات التي يشنها المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية التشادية ضد حكومة بلده”.
ويحذر من خطورة سقوط حوض مرزق أحد أهم المنشآت الاقتصادية في يد هذه الجماعات التي تعرف جغرافية الجنوب الليبي جيداً، إذ سبق وتحالفت مع آمر حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم جضران في هجوم على الهلال النفطي عام 2018، وتمكنت قوات حفتر من استرجاعه وتسليمه للمؤسسة الوطنية للنفط برئاسة مصطفى صنع الله.
ويشدد شعبان على أن العصابات التشادية وتنظيم “داعش” يمثلان تهديداً للأمن القومي الليبي، فسقوط الهلال النفطي في قبضة هذه المجموعات يعني انهيار الاقتصاد الليبي الذي سيتجه نحو الإفلاس.
خطورة التغيير الديموغرافي
عانت ليبيا في السنوات الماضية من تغييرات في التركيبة السكانية، بفعل التغييرات الجذرية التي طرأت على بعض مدنها بفعل تكرار هجمات المجموعات الإرهابية أو الحروب الداخلية التي تحركها دول إقليمية طمعاً في ثروات ليبيا النفطية. وقد شهد البلد موجات تهجير وتقتيل بسبب الهوية أو الانتماء القبلي.
وفي السياق، ينبه رئيس المنظمة الليبية للحفاظ على الهوية الوطنية، محمد شوبار، من خطورة سياسية التغيير الديموغرافي التي تحاول دول إقليمية إحداثها في الجنوب.
ويقول إن “ما قامت به عناصر المعارضة التشادية في مرزق الليبية يندرج ضمن محاولة إحداث تغيرات على الخصوصية الديموغرافية الليبية، وفق مراحل عدة محكمة التنفيذ”.
يضيف أن “البداية كانت بالتهجير القسري عبر بثّ الفوضى وقتل أبناء مرزق بهدف بثّ الرعب وقطع أمل العودة، من خلال إتلاف الممتلكات الخاصة وتدمير المنشآت العامة وخطوط الخدمات الأساسية كي يدفعوا بالسكان المحليين إلى الهجرة إلى بلد آخر أو مدينة مغايرة هرباً من التصفيات الجسدية وصولاً إلى القتل على الهوية.
ويدعو شوبار الحكومة الليبية إلى الانتباه لخطورة هذا النزيف الديموغرافي الذي يستهدف الأمن القومي للبلد.
وتشير آخر الإحصاءات إلى أن عدد المهجّرين قسراً بلغ 1000 شخص لجأوا من مرزق إلى منطقة وادي عتابة.
حجة حماية الأقليات
ويعاني الجنوب الليبي من فراغ أمني ومؤسساتي منذ عام 2011 جعل منه بؤرة للعمليات الإرهابية ومحل إقامة عدد من قيادات تنظيم “داعش” والمتمردين التشاديين على غرار “محمد حكيمي” الذي يتخذ من مدينة أم الأرانب مقراً له ويعد من أبرز معاوني قائد المعارضة التشادية “تيمان إرديمي”.
إلى ذلك، قال عضو مجلس النواب “محمد أمادور” إن تركيا تحاول تنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي في مرزق للاستحواذ على حوضها النفطي ولممارسة عملية إلهاء الجيش الليبي عن معركة طرابلس.
واتهم “أمادور” كلاً من قطر وتركيا بالسعي إلى فصل الجنوب الليبي عن الدولة الليبية، كي تسهل سرقة ثروات البلد وتبقى ليبيا تتخبط في الديون الخارجية.
وخلص أمادور قائلاً “إذا سقط الجنوب انتهت ليبيا التي ستصبح ساحة للقوات الدولية بحجة حماية الأقليات العرقية”.