ليبيا – 16 مايو 2022م (وام)
في ذكراها الثامنة انبثق جيشٌ، بيد يحمي البلاد برًا وجوًا وبحرًا، ويدٍ تُجابه الأجنداتِ والأطماعَ الخارجيةَ.
هنا في العام 2014 ميلادي كانت مدينةُ بنغازي تستيقظُ على دويِّ الانفجاراتِ وتُمسِي على الاغتيالات، في حين تفشَّى في درنةَ الإرهابُ وتمدَّدَ داخلَ أعماقِ صحراءِ فزانَ وصولاً لسرتَ حتى طرابلسَ الأسيرةِ حيثُ سيطرتِ التنظيماتُ الإرهابيةُ على مقاليدِ السلطةِ، وسخّرتْ مواردَ البلادِ لغاياتِها، تاركةً حدودَ البلادِ مجتاحةً من كافةِ الجهاتِ.
في ظهيرةِ يومِ الجُمُعةِ الرابعَ عشرَ من مايو كانَ اللامنطقُ وغيرُ المعقولِ يتجسّدُ ببصيصِ أملٍ وتوهُّجِ ضوءٍ حمَلَ شُعلتَه ثلةٌ من بواسلَ، قالوا عنهم بأنّهم مجانينُ، على أصواتِ مآذنِ بنغازي أشعلُوا شرارةَ جهادٍ مُقَدّسٍ تدافَعَتْ فيهِ الجموعُ صوبَ الموتِ دفَاعًا عن العرضِ والأرضِ.
في بنغازي الثمنُ وبوكر والكاديكي رفقةَ ربيعِ شبابِ المرجِ كانوا في مقدمةِ الموتِ، وزَلزَلَ زئيرُ أسودِ الصاعقةِ أركانَ العصِيّة ليَنتَشِرَ بشوارعِها وأزقّتِها أبناءُ بو خمادة بأمرةِ النائلي والفسي وفضل معهم الطيرة والسعيطي يواجهون الألغامَ والمتفجراتِ، وفي ظهرهِم يقفُ مرفوعة وأهالي بنينا في صمودٍ أُسطوريٍّ، في حين كان عزمي والمدهاك ينتَظرُون في مدخلِ العَصيّةِ الشرقِيِّ طبرق والبيضاء. أما السماء فشهدت على طائراتٍ جارَ عليها الزمانُ يُحلّقُ بها العبيدي ورفاقُه يَقصفُون حصونَ الغزاةِ, فتَجتَمع في كلّ بقعةِ دماءٍ رجالُ برقةَ داخلَ بنغازي مسطِّرينَ للأمجادِ.
سيمفونية اكتملتْ ألحانُها بانتفاضةٍ شعبيةٍ انطلقتْ من بوهديمة للماجوري وشارع عشرين والسلماني منتشرةً في كافةِ المناطقِ والأحياءِ، فالذي كانَ قبلَ يوم 14 مايو حكايةً والذي بعده روايةَ كفاحٍ ونضالٍ بعتادٍ هزيلٍ أُبِيدتْ به أعتى التنظيماتِ الإرهابيةِ عبرَ التاريخِ.
هنا انطلَقَتْ عمليةُ الكرامةِ بقيادةِ المشير خليفة حفتر وبتلاحمِ شعبٍ وجيشٍ أصبح اليومَ يُقدَّرُ بعشراتِ الآلافِ ينتشر في البرِّ والبحرِ والجوِّ، قُدِّمتْ من أجلِهِ ضريبةٌ باهضةُ الثمنِ، وأرواحُ أبطالٍ لن يسعَ الوقتُ لذكرِهِمْ، تُخلَّدُ أسماؤُهمْ في كافَّةِ بِقاعِ برقةَ وليبيا.
بعد 4 سنين تحرَّرَتْ بنغازي وزحفتْ رفقةَ إخوانِها خلفَ جيشِها نحوَ درنةَ المجاهدةِ إلى الكفرةَ العتيةِ وصولاً لفزانَ الحبيبةِ وطرابلسَ السجينةِ.
في ذكراها نستذكرُ صفحاتٍ من الكفاحِ والإيمانِ بوطنٍ محررٍ، كتب َبداياتِ انتصارِه رجالٌ عاهدُوا اللهَ على الثباتِ ورَسمَ مصيرَه جيشٌ يساندُه شعبُه، يجوعُ اليومَ وتُدبَّرُ لهُ المكائدَ، فلمْ يعدْ باستطاعتِهم مقارعتُه في ساحاتِ العزةِ والشرفِ، بل أصبحوا يبثّون سمومَهم وهمًا منهُم بأنَّ الذِي بدأ الجهاد من مرتفعات الرجمة والأبيار، سينصاع، ليصبحَ اليومَ محلّقًا في كلٍّ رقعةٍ من ترابِ الوطنِ، فلن يركعَ صوتٌ يُنادي بالحقِّ والعدلِ.
ثمانُ سنواتٍ مضتْ خُلِّدَتْ فِي تاريخِ ليبْيا بدماءٍ زكيةٍ روتْ أرضَ شعبٍ تتكالبُ عليْه الشرورُ والمكائدُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ, استطاعَ مع جيشِه البطلِ أن يقضيَ على تنظيمٍ إرهابيٍّ سُمّيَ داعشُ, أهلك الأرضَ والنسلَ وظلمَ العباد, فتكونُ العصيةُ بنغازي مسرحًا لملحمةٍ لا يُضَاهِيهَا شرفٌ, كُتِبَ فيهَا بأنَّ القواتِ المسلحةَ العربيةَ الليبيةَ هي أُولَى جُيوشِ الأرضِ التي تَمكّنَتْ من كسرِ شوكةِ تنظيمٍ أذَاق العالمَ أجمعَ مَرارَ القهرِ والظلمِ والذُّلِّ.