الفرجاني: حاولت أن أحدث تجديدا في شعري .. فلعلني فعلت ولعلني ما زلت أحاول
بنغازي _ 18 يوليو 2023م (وام)
بحضور كثيف من روّاد الشعر وثلة من أساتذة الأدب واللغة العربية والنقد؛ احتضن مركز وهبي البوري بمدينة بنغازي الاثنين 17 من يوليو؛ حفل توقيع ديوان دعني وشأنك للشاعر عصام الفرجاني، الصادر حديثا عن دار الجابر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان.
ويُعد الشاعر عصام الفرجاني الحائز على درجة الماجستير في علم الجراثيم من الأكاديمية الليبية؛ من الشعراء المعدودين في ليبيا، وتميّزت تجربته الإبداعية قبل صدور الديوان بجملة من المحطات والمشاركات، منها: نيله الترتيب الأول على مستوى ليبيا في الشعر الفصيح عام 2003 بمدينة زوارة، والترتيب الأول على مستوى الجامعات والمعاهد الليبية في العاصمة طرابلس 2005 وبمدينة سبها عام 2006، وممثلا للشعراء الليبيين الشباب بالمهرجان الثاني للشعراء بمملكة البحرين عام 2009، كما رُشح من المؤسسة العامة للثقافة للمشاركة بالبرنامج الثقافي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2010، وغيرها من الترشيحات والجوائز المحلية والإقليمية، وغيرها من المشاركات المتميزة.
عصام الفرجاني لـ” وام”: هموم الوطن حاضرة في الديوان .. والشعر الحق هو الشعر الصادق
_ للمرأة نصيب وافر في قصائد الديوان، أهي المرأة المحضة أم الإنسان، أم هي رمز واسم حركيّ تمثّل الوطن والتجربة الإنسانية في سيرورتها معا؟
_ نعم .. بعض القصائد التي تلتقي بقارئ الديوان هي للمرأة، وبعضها رمز أو مزاج يشمل المرأة والوطن والتجربة الإنسانية، وأقول وبكل صراحة؛ هموم الوطن وآلامه حاضرة وملقية بظلالها بين دفتي الديوان، كما أن التجارب الأولى كانت محطات إنسانية ترجمتها أعمال شعرية متعددة.
_حظي البحر الكامل وهو ما يطلق عليه البلاغيون بأنه بحر الفطرة بحضور كثيف في ديوان دعني وشأنك، وذلك ينتظم مع ما ألمح إليه الدكتور أحميد بن سليم، بأنك شاعر مطبوع .. ما الشعر الحق عند عصام الفرجاني؟
_الشعر الحق هو الشعر الصادق، شعرٌ لا يتكلفه الإنسان، وإن كانت الصنعة تطرق باب الشعر وتهذبه وتسنده، إنما من لم يكن مطبوعا ذا ذائقة شفيفة وقريحة عذبة؛ لن تغني عنه الصنعة شيئا، كما أن الوزن ركن وعمدة في كتابة الشعر، وإن تهاوى هذا الركن؛ خرج من هذا المضمار ليقترب أكثر من الإبداع النثري أوالقصصي، بالإضافة إلى أن الشعر إن خلا من الروح وصدق العاطفة؛ كان نظمًا، فالشعر إذا: وزن وتجربة إنسانية وشاعرية في مزاج واحد.
_الناظر لقصائد الديوان يجدها مشحونة بالألفاظ الجزلة، والتراكيب الأصيلة التي تعكس ثقافة أدبية وإلماما ببلاغة القرآن الكريم وعلى منوال الشعراء المتقدمين؛ حدثنا عن تجربتك في قراءة الشعراء عبر الأزمة المتقدمة والمعاصرة والحديثة؟
_في الحقيقة إن مدرسة الإحياء والبعث كانت مهيمنة على القراءات الأولى، وتمكنت من الإلمام بجوانب مهمة من تلك المدرسة، وربما كان نزوع قصائدي للبحر الكامل مرده لهذا السبب، فمدرسة الإحياء والبعث تأثرت بهذا البحر كثيرا، من هنا أقول إنني قرأت لروّاد هذه المدرسة كثيرا، ثم قرأت لمن قبلهم، وهنا أريد أن أؤكد أن الشاعر قبل أن يخلق لنفسه مدرسة لابد من أن يقتدي بالأصل، ولأكون صريحا فإنه من الخطأ من وجهة نظري البداية بمدرسة الإحياء والبعث، فإنهم يعدون من المقلدين وإن جدد بعضهم، كما قرأوا للشعراء المتقدمين، فلا مناص إذا من التشبع والامتلاء بشعر الأوائل لكل من أراد الخوض في هذا المضمار، وقد تداركتُ الأمر سريعا؛ فأقبلت على قراءة الشعراء المبرّزين من العصر الجاهلي وصدر الإسلام والأموي والعباسي، وحاولت أن أحدث تجديدا في شعري، فلعلني فعلت .. ولعلني ما زلت أحاول.
_ما رأيك في النتاج الشعري في الوطن العربي وليبيا خاصة؟
_النتاج الشعري في الوطن العربي أبرز تجارب ثرية، تنم عن ثقافة وتجديد في الأساليب والأنماط، وحقيقة ما يميز الشعر العربي عما هو في ليبيا هو الثقافة، كما أن الشعراء العرب لا ينفرون من النقود العلمية المتعلقة بعلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وغيرها، وفي الحقيقة لي تواصل كثيف مع الشعراء الشباب في الوطن العربي، فوجدتُ جلهم يمتلك ناصية اللغة ولهم إطلالة واسعة على علوم العربية، وهي ذخيرة لا غنى للشاعر عنها.
_ما تقول للشعراء المبتدئين، خاصة ما نلحظه من استعجال في إبراز الأعمال الأدبية ونشرها؟
_في الحقيقة هذا من مساوئ شبكات التواصل الاجتماعي، وهو الخلط بين ما ينشره المرء من خاطرة، وبين الشعر الحقيقي الخالد، وللأسف أصبح المتفاعلون الذين في معظمهم ليسوا متخصصين؛ يشجعون الكاتب على نشر ما يدوّن على الشبكة، فتتحول هذه المنشورات إلى كتب، وفي حقيقة الأمر لابدّ أن يحدد الأديب أو الشاعر وجهته، وأن يدرك نزوعه النفسي في الكتابة بين الخاطرة والومضة أو ما يطلق عليه بقصيدة النثر وهو في حقيقة أمره نثر فني، لأننا إن تتبعنا جيناته الوراثية بالمنهج العلمي؛ سنجدها ألصق بالنثر منها إلى أنواع الأدب الأخرى، ومهما بلغت سطوة التخييل وتوليد المعاني وإنشائها، فإنها تبقى موصولة الرحم بالنثر لا الشعر، وللأسف ثمة من يستسهل كتابة النثر نفسه؛ فلا هم شعراء ولا هو ناثرون.
الدكتور أحمد بن سليم لـ “وام”: عصام الفرجاني يتمثل شعر شوقي تمثلا كبيرا
_ الدكتور أحمد بن سليم؛ في هذه الأمسية وجمهور الشعر محتف بصدور ديوان دعني وشأنك؛ تدل الكلمة التي ألقيتها بأن الديوان وجد قبولا حسنا في نفسك، حدثنا عن رأيك في الديوان والتجربة الشعرية للشاعر؟
_الشاعر عصام الفرجاني شاعر مطبوع، يقول الشعر على السليقة، وقد أضاف لتلك الموهبة اجتهاده في تحصيل الأدوات والتمكن منها، عبر قراءة علوم اللغة والقرآن والاطلاع على التراث وما كتب المتقدمون، ومن هذه الخلفية يغلب عليه الطابع الكلاسيكي الحديث الذي يتزعمه أمير أحمد شوقي، ومن هنا فالشاعر عصام الفرجاني قد قرأ شوقي جيدا وأوعب البنى الفنية عنده وتمثل شعره تمثلا كثيرا، وأنا متفائل جدا بهذا النهج، فهو سبيل الشاعر الكبير.
_يشهد الفضاء الشعري اكتظاظا بالأعمال الصادرة .. هل هي إضافات حقيقة للأدب العربي أم جُلّها محاولات يغيب عنها الإبداع الحقيقي؟
_ لأقرّب المعني سأضرب مثلا؛ من أراد أن يكون رياضيا لامعا، لا يجلس في بيته ثم يطلب أن ينال مكانة متقدمة بين نجوم الرياضة وأبطالها ممن اجتهدوا في المران وساعات التدريب المتواصلة، بل عليه أن يناله قدرٌ من المشقة والعمل الكثير وقراءة تجارب ممن سبقوا فيما اختار من تخصص وكذا الشعر؛ فالشعر والأدب ليس بأقل من ذلك، ومن أراد أن يكون شاعرا حقيقيا فعليه أن يهتم ويبذل مجهودا مضاعفا في فترة التأسيس، ولا ننسى الموهبة التي يولد بها المبدع، والبعض للأسف ينفّرون الناس من الشعر العمودي بأنه قد عفى عليه الزمن، وأقول لأولئك: هذه خلاصة أمة لأكثر من ألفي عام، وتلك الأوزان والقوافي نتاج أمزجة صافية وهي مواكبة لعصرنا ولكل عصر.
_حدثنا دكتور عن دور الأساتذة والمتخصصين في علوم اللغة؛ في حماية العمل الإبداعي من الدخلاء؟
_نحن جزء من المجتمع؛ ومجتمعنا في الحقيقة يعاني معاناة كبيرة، ومن العسير على الأستاذ الجامعي أن يكون دائما الحضور في الساحة الأدبية، وهو محمل ببرامج يقضي عمره فيها، لا يكاد المرء أن يجد وقتا لمتابعة الندوات وتوجيه الأدباء الشباب، مع ازدحام المحاضرات التعليمية، وأنا في الحقيقة لست معلما فقط؛ إنما صانع ذائقة وراصد للمبدعين الشباب، وأجاهد أن أجعل من الطلاب مبدعين.
_ ما تقييمك لإقبال الأدباء الشباب على قراءة التراث وأعماله الرصينة .. أهو إيجابي أم أن قطيعة معرفية واقعة؟
_ مدرسو المراحل الابتدائية والإعدادية هو من يضعون الأسس واللبنات الأولى في أي مجال، ونحن نعاني من تدني مستوى التدريس التأسيسي، فيأتينا الطالب إلى الجامعة وهو خالي الوفاض، وجلهم لم يقرأ كتابا في حياته، ومن هنا أقول إن المرحلة التي يتأسس فيها الإنسان قد مرت، ودورنا في التعليم العالي تكميليّ لما غرسه التعليم الأساسي في وجدان الطلاب، وأنا من المدرسين لكتب المتقدمين، لأفتح نافذة يطل بها الطالب على التراث، ودائما ما أقول لطلبتي؛ إن الجاحظ معاصر، وهم يندهشون لذلك، وفي الحقيقة الجاحظ في سعة أفقه ونقده لمشكلات عصره؛ يقول ما لم يتفوّه به حتى المعاصرين من الكتّاب.
الأديب جمعة الفاخري لـ “وام”: دعني وشأنك يمثل القصيدة الليبية الشابة والمتطورة
_بالنظر إلى أنك من قدمت للديوان. بعد تطواف فيما يحتضنه من قصائد ومقطوعات شعرية، كيف ترى هذا العمل الإبداعي ؟
_ ديوان دعني وشأنك للشاعر الدكتور عصام الفرجاني، يمثل القصيدة الليبية الشابة والمتطورة، التي ما زالت منتشية بعبق الأمس واللغة العربية الرصينة، والشاعر موفّق جدا في هذه التجربة التي احتضنتها دار الجابر الرائدة، وكان الحفل احتفاء بالإبداع الليبي وصوره الجميلة، بحضور جمع من المبدعين الليبيين وسدنة العربية ومتذوقي الشعر، وحفّت اللقاء نقود انطباعية ودراسة رصينة موغلة في أعماق النص، لتلقي الضوء على جماليات وجب الإشارة إليها لما تحويه من صور بلاغية وتراكيب فنية ومعانٍ مشرقة، قد لا يلتقطها القارئ العادي.
-الملكة الشعرية والتجربة الإنسانية المكتملة هي وقود الإبداع؛ كيف يرى الأديب جمعة الفاخري واقع العمل الإبداعي في ليبيا؟
_لا شكّ أنه على الشاعر أن يتوخى نضج القصائد قبل أن يدفع بها للطباعة، فالكلمة رصاصة؛ إن خرجت من الوجدان لا يمكن إرجاعها أو تجاهلها، وأي عمل لم يحظ بالقدر الكافي من التأمل والتفكر والتهذيب؛ سيكون غرضا للنقد، وسيحسب على مؤلفه في الدراسات والندوات ومحافل الإبداع كافة، لذلك أنصح الشباب بالتروي وعرض أعمالهم على أهل الرأي والنقاد والمتخصصين لتوجيههم، أو لدفعهم للنشر من عدمه.
– خلال حديثك في مستهل الأمسية، احتفيت أيما احتفاء بالقصيدة العمودية الموزونة المقفّاة، وألمحت بأن ثمة من يريد فرض نمط جديد من الشعر .. كيف ترى هذه الدعوات؟
_ (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
هذه الدعوات لقصيدة النثر، لا تكتفي بقصيدة النثر فحسب، فنحن لسنا ضدها بالمطلق، إنما نحن ضد الرديء من الكلام في الشعر أو القصة أو الرواية، وضد التسويق للترهات ولمدارس معينة لا تخدم الإبداع ولا تقدمه على حقيقته، كما أننا ننتقد الإسفاف واستسهال القصيدة، ولا يخفى للعيان؛ أن شعر النثر أصبح مسرحا لكل من يريد الخوض في غمار الإبداع وهو لا يملك مفاتحه ولم يرتو من منابعه وأساليبه، ضف على هذا أن هنالك من يريد الإطاحة بالقصيدة الرصينة ذات الوزن والقافية.
وفي مشاركة أضفت روحا مغايرة على الأمسية؛ أنشد أستاذ اللغة الفرنسية الدكتور علي الشويهدي قصيدتين مترجمتين من الديوان، وهما: قصيدتي شكرا، وقصيدة خيانة الحروف، التي يقول الشاعر في مطلعها:
أراك بدفتري عبثا تطوفُ
فهل خانتك يا قلمي الحروفُ
أما استهواك في الساحات نزفٌ
وأنت بكل معتركٍ شغوفُ
وللأرزاء في بلدي مطايا
وللأقدار في دمنا صروف
تجمّعنا الموائد كل يومٍ
وكلّ غد تفرّقنا الحتوفُ
فشقّي يا يراعة ثوب صمتي
فما يجدي على الطلل الوقوفُ.
تحرير وحوار: رياض وريث
تدقيق لغوي: عبد الله الشريفي