وفر نظام العدالة والتنمية الدعم اللوجيستي، والمالي، وساحات التدريب، والسلاح، والذخيرة،للجماعات التكفيرية، ووفر العلاج للجرحى والمصابين في مستشفياته، ولعب القضاء التركي دورا قذرا، في تبييض ساحات الإرهابيين، والإفراج عنهم، ليواصلوا قتل أطفال سورية، وسحق الأكراد.
يوما بعد آخر تتكشف الأدلة والوثائق العلاقات الوثيقة بين تنظيم داعش ونظام رجب إردوغان، وآخرها ما كشف عنه المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف “ICSVE”، والذي فضح استخدام نظام أنقرة التنظيم الإرهابي، لاحتلال الشمال السوري.
في تقرير موسع استند إلى شهادة أمير داعشي، وقع آسيرًا في يد القوات العراقية، كشف المركز أمس الثلاثاء، عقد التنظيم الإرهابي اجتماعات سرية مع قادة أتراك، للتخطيط لإسقاط سورية، فاضحًا نقل التنظيم المتطرف مقاتليه الأجانب من وإلى البلد العربي، عبر الأراضي التركية، برعاية حكومة إردوغان.
من كازابلانكا إلى سورية
في فبراير الماضي وبعد مُقابلة استمرت خمس ساعات، توصل باحثو المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، أن أمير داعش أبو منصور المغربي، شغل منصب سفير التنظيم الإرهابي لدى أنقرة.
في لقائه مع باحثي المركز الدولي في بغداد، تحدّث أبو منصور عن السنوات الثلاث التي قضاها في خدمة داعش، قائلًا: “كان دوري في الرقة هو التعامل مع القضايا الدولية، وكنت مكلفًا بملف علاقة داعش بالمخابرات التركية”.
أبو منصور هو مهندس كهرباء، جاء من المغرب إلى سورية عام 2013، وقبل أن يكون أميرًا في التنظيم، وسفيرًا له، عمل ضمن شبكة لتهريب المقاتلين الأجانب، الراغبين في الانضمام إلى التنظيم، ونقلهم من تركيا إلى سورية.
سافر من كازابلانكا إلى إسطنبول، وعَبَر الحدود الجنوبية لتركيا، وكانت محطته الأولى إدلب، في الوقت الذي بدأ القتال بين جبهة النُصرة وداعش، انتهى المطاف بانضمام أبو منصور لصفوف داعش، وكُلِف بوظيفة مسؤول استقبال على الجانب السوري من الحدود التركية.
كانت مهمته هي استقبال المقاتلين الأجانب، الذين يتدفقون إلى سورية عبر تركيا.
التهريب
كُلف أبو منصور بمُهمة توجيه المهربين لاستقبال المقاتلين الأجانب في تركيا، ويتلقى المهربون رواتب من داعش، في مقابل تسهيل دخول القادمين من إسطنبول، إلى المُدن الحدودية التركية، مثل غازي عنتاب وأنطاكيا وشانلي أورفا وغيرها.
أبو منصور ميّز المهربين عن عملاء داعش، بسبب دوافعهم غير الإيديولوجية، وعملهم مقابل المال فحسب، وعندما سُئل عن شبكات داعش داخل تركيا، اعترف بأن “كثيرين في تركيا يؤمنون ويدينون بالولاء للتنظيم الإرهابي”.
في حديثه عن المقاتلين الأجانب في عام 2015، يوضح المغربي أنهم أتوا من أماكن مختلفة، ولكن غالبيتهم من شمال إفريقيا، لافتًا إلى أن عدد الأوروبيين لم يكن كبيرًا، حيث بلغ إجمالي عددهم 4 آلاف فقط، فيما أتى من تونس 13 ألفا، و4 آلاف من المغرب، وأقل من ألف من ليبيا.
المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، قال إنه ليس من المستغرب أن تؤكد أرقام أبو منصور البيانات التي تم جمعها عن أصول وعدد المقاتلين الأجانب، الذين انضموا إلى تنظيم الدولة، حيث جاء معظمهم من تونس، ولكن المثير للاهتمام تمثل في قدرته على حصر الأعداد بهذه الدقة.
بمرور الوقت توسعت مسؤوليات أبو منصور، لتشمل حراسة كامل الحدود بين سورية وتركيا، وتهريب المقاتلين الأجانب من وإلى البلدين، والإشراف بنفسه على استقبال العناصر المستجدة في تل أبيض وحلب وإدلب، وكل الحدود السورية التركية.
غسيل مخ
تحدث الداعشي القادم من شمال إفريقيا للمركز الدولي، عن حياة المقاتلين الأجانب، داخل حدود الأراضي التي احتلها داعش، موضحًا أن الإناث الأبكار كن يذهبن مباشرة إلى مراكز تدريب العازبات في الرقة، أمّا النساء المتزوجات فتذهبن إلى أزواجهن، في بيوت الضيافة التابعة لداعش.
وأشار إلى تدريب المقاتلين على استخدام الأسلحة المختلفة، إلى جانب التدريب الإلزامي على الشريعة، حيث يتعلم المُجندون الجُدد أيديولوجية التنظيم، والتي تبرر استخدام العنف ضد الأبرياء، الذين يُعتبرونهم زنادقة أو كُفارا.
شرح أبو منصور شكل وطبيعة استمارات القبول، التي يتم ملؤها في منطقة استقبال داعش، قائلًا: كانت الاستمارة تتضمن خبرات الأفراد، والبلدان التي قاموا بزيارتها، واللغات التي يتحدثونها، ومدى ما وصلوا إليه من تعليم، وما إلى ذلك من البيانات التفصيلية.
بعد الانتهاء من الاستمارات، يتم توزيع المقاتلين الأجانب على الوظائف التي حددت لهم، من قبل مكتب مختص بإدارة الموارد البشرية.
الانتحاريون
الأمير الداعشي قال إن الكثيرين من المقاتلين الأجانب انضموا إلى التنظيم لتنفيذ عمليات انتخارية، فداءً للدولة المزعومة، وأن هؤلاء لا يتم نقلهم إلى مركز التدريب الحدودي، بل إلى مركز آخر في الرقة، حيث تتواجد إدارة مركزية تتحكم في دور كل شخص منهم.
انخفض عدد الانتحاريين، من 50% من المقاتلين الأجانب قبل 2014 إلى أقل من 20% بعد هذا العام، بحسب أبو منصور، وذلك مع تأسيس دولة داعش، والاستقرار في الرقة، حيث جاء معظم المقاتلين الأجانب للعيش تحت علم التنظيم.
ويستطرد، خلال عامي 2014 و2015، انضم ما يقرب من 35 ألف مقاتل أجنبي إلى داعش، لكن الأرقام سرعان ما بدأت في الانخفاض، وتتطابق أرقام أبو منصور مع ما قاله الخبراء، الذين قدروا تعداد التنظيم بـ 40 ألف مقاتل أجنبي، ذهبوا إلى سورية، معظمهم انتهى بهم الأمر في داعش.
وفيما يتعلق بأولئك الذين تمت دعوتهم من قِبل داعش، للتدريب والعودة لشنّ هجمات إرهابية في بلدانهم الأصلية، أوضح أبو منصور أن مهمته تمثلت في استقبال المقاتلين فحسب، لكنه لفت إلى تنامي الدعوات داخل التنظيم الإرهابي، لعودة بعض المقاتلين الأجانب إلى ديارهم، وتنفيذ بعض العمليات.
وقال ليس كل الأشخاص الذين عادوا إلى بلادهم “خلايا نائمة”، فالكثيرون تركوا التنظيم ببساطة، نافيًا الأساطير التي صنعتها التصريحات الإعلامية، بأن أغلب العائدين إلى أوروبا خلايا نائمة.
سفير داعش
بعد عام 2014 ذهب سفير داعش إلى الرقة، بعد هجوم التحالف على الحدود السورية التركية، وعندما سأله باحثو المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، عن وجود تسهيلات تركية لعبور مقاتلي التنظيم المصابين الحدود، وتلقي الرعاية الطبية داخل أراضيها، اتخذ الحديث منحى آخر، حيث تبين أن أبا منصور لم يكن مجرد أمير، بل كان دبلوماسيًا يمثل التنظيم التكفيري.
أبو منصور أكد وجود بعض الاتفاقات والتفاهمات بين مخابرات أنقرة، وجهاز داعش الأمني، حول البوابات الحدودية،خصوصا فيما يتعلق بالمصابين، لافتًا إلى مشاركته في العديد من الاجتماعات مع جهاز الاستخبارات التركي.
وعندما سئل من كان يمثل الحكومة التركية عند الاجتماع بأعضاء داعش، قال :”كان هناك فِرق، يمثل بعضها الاستخبارات، والبعض الآخر يُمثل الجيش، وعقدت معظم الاجتماعات في مواقع عسكرية، أو في مكاتب داخل الوحدات”.
وتابع:” أحيانا نلتقي كل أسبوع، وفقًا لمجريات الأحداث، وكانت معظم الاجتماعات قريبة من الحدود، بعضها في أنقرة، وبعضها في غازي عنتاب”.
الداعشي المغربي تحدث عن وقائع بعض اجتماعاته مع مسؤولين أتراك، قائلًا: ” عبرت الحدود، وسمحوا لي بالمرور، هناك كان الأتراك دائمًا يرسلون لي سيارة ويتولون حمايتي، وكان رفقتي ثلاثة أشخاص من جانبنا، وكنت مسؤولًا عن فريقنا معظم الوقت”.
المركز الدولي لدراسة التطرف، قال إن ما توافر تحت يده من معلومات، يشير إلى أن أبو منصور التقى مسؤولين رفيعي المستوى، في جميع الأفرع الأمنية للحكومة التركية، للتفاوض حول صفقات في سورية.
اللقاء مع إردوغان
رفض المغربي تلقيبه بـ”سفير داعش”، لأن السفير مصطلح غير مستخدم داخل التنظيم، لكن اعترافاته كشفت عن نفوذه الدبلوماسي، الذي امتد حتى الرئيس التركي نفسه.
قال: “كنت على وشك مقابلته لكنني لم أفعل، قال أحد ضباط الاستخبارات إن إردوغان يريد رؤيتي على انفراد، لكن ذلك لم يحدث”.
وتابع:” كنت أتلقى الأوامر من عضو في مجلس الشورى – أعلى سلطة في التنظيم – ومن عراقي يدعى محمد حدود”.
منافع متبادلة
أبو منصور تحدث عن جملة المنافع المتبادلة بين تنظيمه الإرهابي، وحكومة العدالة والتنمية، مبينًا خوضه مفاوضات صعبة وطويلة، لإنجاح بعض الصفقات.
تريد تركيا – حسب دبلوماسي داعش – استغلال تمركز التنظيم في المناطق الحدودية، في السيطرة على شمال سورية، طموحات أنقرة تجاوزت السيطرة على الأكراد، إلى احتلال الشمال السوري كله، من كسب – أقصى نقطة في شمال سورية – إلى الحدود مع العراق.
وأضاف، الأتراك يؤكدون أن الشمال السوري كان جزءًا من الدول العثمانية، قبل اتفاق سايكس بيكو، الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، والذي بمقتضاه فقدوا هذه المناطق منذ مئة عام، لافتًا إلى أن اجتماعاتهم مع الجانب التركي كثيرًا ما شهدت مناقشات حول إعادة تأسيس الإمبراطورية العثمانية.
قائلا :”يروج النظام التركي في العلن إلى أن هدفهم في سورية هو سحق حزب العمال الكردستاني والأكراد، لمنع نجاحهم في إنشاء دولة موحدة على حدودهم، لكنهم امتدوا أيضًا إلى حلب”، في إشارة إلى التطلعات التركية داخل سورية.
وتابع: “نظرًا لأنها دولة تابعة لحلف الناتو، فلا يمكنهم إغضاب الناتو، لذلك لا يمكنهم التعامل مباشرة مع الموقف، لكنهم يريدون تدمير الأمة الكردية، لذا فهم يتعاملون مع الوضع عبر داعش وينتفعون من التنظيم”.
بالنسبة للتنظيم، تمثل تركيا غطاءه الحدودي، فعندما أعلن عن دولة داعش امتدت حدودها مع تركيا لحوالي 300 كيلومتر، كما أن أنقرة تُعتبر طريقًا لإمداد التنظيم بشحنات الأدوية والغذاء، والتي تدخل باعتبارها مواد إغاثة، فضلًا عن كونها معبرًا لمقاتليه الأجانب، القادمين من مختلف دول العالم.
وقال الداعشي المغربي إن النفط كان كافيًا لدفع ثمن الأسلحة وكل ما يلزم التنظيم، وأن تلك الإيرادات وصلت إلى أكثر من 14 مليون دولار شهريًا، خُصص نصفها لدفع نفقات الأسلحة.
أحلام محطمة
عندما كان شابًا، شاهد أبو منصور المغربي، أحداث 11 سبتمبر 2001، وما تلاها من غزو للعراق، بدأ فجأة يشعر أنه إذا لم يكن معهم، كما قال الرئيس الأمريكي بوش الابن، فهو ضدهم.
وفي حديثه للمركز الدولي، يتذكر أبو منصور سنواته الطوال مع التنظيمات الإرهابية، وانخراطه في متابعة عمليات قادة القاعدة في العراق، ومنهم أبو مصعب الزرقاوي، في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003.
أبو منصور حاول الانضمام لمجموعات قررت حمل السلاح لمناهضة النظام الحاكم في المغرب، ولكن القبض عليهم حال دون ذلك، ما جعله في حالة تأهب وحذر شديدين، لاختيار الوقت المناسب للانضمام إلى الجماعات المسلحة.
انتظر المغربي حتى عام 2013، عندما أدرك أن الوقت مناسب، ويمكن إنشاء دولة في سورية، برر انضمامه لداعش، بقوله: “كنا نبحث عن هوية المسلمين وحمايتهم، لم تكن هناك رغبة في القتال، ولا ميل للقتل أو الانتقام، فقط تحرير أنفسنا من الطغاة”.
وأضاف في اعترافاته: “بينما جئنا لإنقاذ المسلمين من النظم الاستبدادية، شعرنا بالصدمة، ووقعنا في نفس الشيء الذي كانوا فيه، فهناك ديكتاتورية حتى داخل تنظيم داعش”.
وتابع:” أشعر أحيانًا وكأننا استُخدمنا كورقة محروقة وتخلصوا منّا، حاولنا إسقاط النظم المستبدة، ولكننا أتينا بمن هو أسوأ، في الرقة كانت هناك جثث على الطريق في أماكن مختلفة، في الواقع عندما تمر في الميادين والطرق ترى الجثث معلقة، كان هناك شنق وتعذيب بالكهرباء، إنهم ليسوا أشخاصًا صالحين، يحاولون الاستفادة من مناصبهم، وكل منهم لديه الرغبة في السيطرة”.
واختتم سفير داعش حديثه، قائلا :”لم يكن بحثي عن السلطة أو الحصول على السلطة أو الحكم”، تمثيل أبو منصور لـ”داعش” لدى أنقرة لم يدم طويلًا، أصبح الآن عاجزًا، حبيس زنزانته الانفرادية في أحد سجون العراق، يواجه عقوبة الإعدام.